أمّا الحقائق فهي الأمور التي يجمع الناس على صحتها استناداً إلى معايير وأدلّة ومدارك حسيّة، فإذا قيل إن البحر الميت هو أكثر نقطة انخفاضاً على سطح الأرض، فهذه حقيقة تثبتها القياسات والأرقام، وإذا قيل إن فلاناً ذو شعر أشقر فهذه حقيقة تثبتها المشاهدة، وفي الكون من الحقائق الثابتة ما لا يحصى عدداً وما لا يختلف ولم يختلف عليه اثنان منذ الأزل إلاّ ما ندر.
وعلى الرغم من هذا الفرق الشاسع بين الحقائق والآراء، إلاّ أن كثيراً من أصحاب الآراء يسعون إلى إقناع الناس بأنّ آراءهم حقائق، ولذلك نجدهم يقدّمون أنفسهم للناس على أنّهم يملكون الحقيقة، وأنّ على الآخرين أن يسلّموا لهم بذلك، وألاّ يخالفوهم في شيء ممّا يرونه أو يعتقدونه. ومتى بلغ الأمر بأصحاب الآراء والمعتقدات إلى هذه الدرجة، فإن ذلك يصبح ضرباً خطيراً من ضروب التخلّف وجمود الفكر وتحجّر العقول.
إنّ الحقيقة هي ما يثبتها العلم بوسائله التي تتطور كلّ يوم وتتقدّم تقدّماً هائلاً، ولا سيّما من خلال التكنولوجيا الحديثة ذات الدقة العالية جدّاً، أمّا الآراء الشخصية والمعتقدات فما زالت بعيدة عن امتلاك مثل تلك الوسائل والأدوات والمعايير، ولذا فإنه ليس من العدل أن تعامل الآراء معاملة الحقائق.
ولذلك فإن على أصحاب الحقائق أن يحترموا أصحاب الآراء وحرية الرأي في مقابل أن يلتزم أصحاب الآراء بعدم تقديم آرائهم على أنّها حقائق قطعية وتقديم أنفسهم على أنّهم وحدهم الذين يملكون الحقيقة، لأنّ في ذلك اضطهاداً فكريّاً للآخرين.
[email protected]
